وبالتمعن في حالة الأردن بوصفها جزءاً أصيلاً لا يتجزأ من النسيج البشري، فهو أيضاً تأثر بالجائحة ولكن بفضل الله أولاً ثم بجهود أبنائه ثانياً كانت الاصابات محدودة والخسائر البشرية قليلة نسبياً (بالرغم من أن نفساً واحدة أزهقت جراء الجائحة تعتبر خسارة لا تعوض).
وأثبتت فرق الاستقصاء الوبائي والكوادر الصحية قدرة عالية على تقصي الحالات ومتابعتها ومتابعة مخالطيها وكان التجاوب السريع لمقتضيات الجائحة واتخاذ قرارات العزل والحظر والحجر أفضل الأثر في منع تفشي الوباء.
ولكن ايماناً بطبائع الأمور من أن الحياة لا بد لها من الاستمرار كان واجباً على الدولة القيام برفع اجراءات الحظر تدريجيا حتى تعود الحياة إلى طبيعتها ولا يعني أن هذا موافقاً عليه بحسب الرأي الصحي الصرف بل ان تشابك الآراء وتداخلها وخصوصاً الرأي الاقتصادي الذي نادى بضرورة الموازنة بين النواحى الصحية والاقتصادية والاسراع في إنقاذ الاقتصاد الوطني ووضع حد لتعطل كثير من النشاطات الاقتصادية وهو ما استجابت له الحكومة اخيراً كما فعلت كثيرا من دول العالم.
ولكل ما تقدم، وللمحافظة على الوضع الصحى والانجازات التى تحققت في هذا المجال وفي نفس الوقت، إفساح المجال للآخرين في القطاعات الاقتصادية للقيام بأعمالهم وحتى لا نقع ضحية من ضحايا البيروقراطية السائدة بين القطاعات المختلفة بسبب طول فترة الأزمة التي قاربت شهرها الرابع على الانتهاء، وجب التأكيد على ما يلي:
1. الإبقاء على حالة الاستعداد والجاهزية بين فرق التقصي الوبائية والكوادر الصحية المختلفة وعدم التراخي او الاسترخاء، فالوباء لم ينته بعد وما زال موجوداً بل لازال من الاولويات الصحية ولكن لابد لنا من التعايش مع هذا الوضع.
2. عدم اضاعة الوقت واستثماره في تدريب واعادة تدريب المزيد من الكوادر الصحية على مختلف الاحتياجات للاستمرار في التصدى لهذا الوباء، فالمورد البشري كان وما زال العمود الفقري في قصة النجاح الأردنية في مكافحته للوباء.
3. التركيز على نشر التوعية بين المواطنين وفي جميع وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة وذلك لاستدامة العادات الاجتماعية الجديدة التي اكتسبها المجتمع الأردني خلال أزمة كورونا مثل (التباعد الجسدى، إلغاء مظاهر الاكتظاظ في المناسبات الاجتماعية، والاكتفاء بالسلام عن بعد وعدم المصافحة بالايدى والتخلي عن عادة التقبيل)، وغيرها من العادات لتصبح جزء لا يتجزء من حياتنا اليومية حرصا على صحتنا وسلامة المجتمع مؤكدين علي اهمية التزام المواطنين بالتعليمات الصادره عن الجهات الرسمية في نجاح التصدى لهذا الوباء.
4. دعم البحث العلمي بكل الوسائل الممكنة مع التأكيد على ضرورة تظافر كافة الجهود الرسمية وغير الرسمية في هذا المجال، فلو كان البحث العلمي الأردني متقدماً بحسب المأمول لكان لة دوراً محورياً في تقصير أمد الأزمة.
5. تقوية اواصر التعاون بين القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة، والعمل على ردم كل فجوات وثغرات التعاون بينهما والتي ظهرت احيانا أثناء اجراءات وقرارات مكافحة وباء الكورونا.
6. عند القول إن على الرأي الصحي الفنى التأني قليلا وافساح المجال للرأى الاقتصادى ان يأخذ دورا فيعني عند ذلك حكماً أن تتقدم وزارة الصحة خطوة للأمام لأن جميع الامراض السارية و غير السارية (المزمنة) تقع ضمن ولاية وزارة الصحة وليس مرض لكورونا وحده فحسب.
واخيراً يجب أن يكون معلوماً لدى الجميع أن مهمة مكافحة الوباء والسيطرة علية هي مهمة الدولة بجميع مكوناتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية دون تغول لاى جهة من هذه الجهات على الاخرى فالقرارات الاقتصادية مثلا يجب ان تكون مدعومة بالقرارات الصحية و الاجتماعية والسياسية والعكس صحيح حتى تستمر الحياة ونستطيع ان نرسو بالاردن على بر الامان وتعد الحياة تدريجيا ولكن بقوة وعزيمة الى ما كانت علية.
استشاري وبائيات و صحة عامة - المدير التنفيذي – الشبكة الشرق أوسطية للصحة المجتمعية (أمفنت)
